إن من أعظم خصائص الإسلام – دينِ الله الخاتم – موازنته الدقيقة بين حاجات الروح وحاجات الجسد، وهو توازن لا تخطئه عين في عقائد الإسلام وعباداته ومعاملاته، والمسلم الحق هو الذي جمع الاستسلام القلبي لأمر ربه والرضا بحكمه وشرعه والانقياد الظاهري لأوامره والانكفاف عن نواهيه، ولطالما كان هذا التوازن بين احتياجات الروح والجسد سبيلا لتعرف غير المسلمين على الإسلام ودخولهم فيه.
والمسلم يعلمُ أنه من حينِ يخرج من بطنِ أمِّه سائرٌ إلى ربِّه، وهو في هذا السَّير محتاجٌ إلى علمٍ بمعالم الطريق الذي يسيرُ فيه ومناراتِه، وما يكتنِفُه من آفات، وما يعرِض فيه من بُنيَّات، حتى يصلَ إلى مقصدِه سالمًا، وينجوَ مما يقطعُه عن البلوغ إلى غايته. وممن اعتنى بهذا وكتبَ فيه الإمام الكبير أبو عبد الله الله محمد بن أبي بكر بن أيُّوب بن سعد بن حريز الزُّرعي الدمشقي الحنبلي، المعروف بابن قيِّم الجوزيَّة (المولود سنة 691، والمتوفى سنة 751)، رحمه الله ورضي عنه، وقد كانت مؤلفاتُه محلَّ اتفاق بين المسلمين لنفاستِها وحُسن بيانها، ولما فيها من براعةٍ في بيان حقائق الإسلام ولا سيَّما ما يتعلق منها بالجانب الرُّوحي وقواعد السلوك وتزكية النفوس، ورُزقت مؤلَّفاته على مرِّ العصور قَبولًا، وإقبالًا من المسلمين على نشرها وقراءتها واختصارها وتقريبها من أهل كلِّ عصر. وقد وفَّق الله جماعةً من إخواننا إلى العمل على تقريب كتاب "مدارج السالكين" وتلخيصه، ثم اختصاره في هذا الكتاب الذي بين يدَي القارئ الكريم، وهو مختصر نافع ميسَّر. ورغبةً في تعميم الانتفاع به قُمنا بترجمته إلى اللغة الإنجليزية، ونحن على يقين من أن قارئَ هذا الكتاب - مسلمًا كان أو غير مسلم - سيجدُ فيه من مباهج الرُّوح ومؤنِساتها الشيءَ الكبير، وسيكون عونًا له على تزكيةِ نفسه والارتقاءِ بإيمانه ويقينِه، والازدياد من أسباب الإيمان ومثبِّتاته إن كان مسلمًا، أو البحثِ عن نجاته وخلاصه، واتِّخاذ قرار الدخول في الإسلام إن كان غير مسلم.